التكرار :
ولو تجولنا في رحاب ساحة البردّوني الأسلوبیة لوجدناه یعتمد على التكرار كأسلوب ،
خاض به غمار تجربته الشعریة ، لیقف معه على مرسى بوحه الذاتي ، ویعبّر من
خلاله عن معاناته مع شعره أولا ، و حزنه من واقعه ثانیا .
فعندما یبدأ قصائده بتلك التساؤلات المتكررة، ھو یبحث عن شيء دفین داخل النص :
لماذا المقطف الدّاني ****** بعید عن ید الــــــعاني ؟
لماذا الز ّھـــــــر آنيّ ****** ولیس الشّـــوك بالآني ؟
لمــاذا یقدر الأعتى ****** ویعیا المرھف الحاني ؟(١)
لقد دق البردّوني بلفظة لماذا جرس إنذار یوقظ به القلوب ، ویحیى به أموات أمته ،
فكان وقعه في بدایة النص كبدایة لموجة مواجھات ، عاصفة تحملھا ثنایا النص
القادمة ، وكأنه في ھذه البدایة یقول للقارئ استعد فأنا أنذرك بعاصفة قادمة قد قرعت
لھا أجراس الخطر ، لیس ھذا فقط ، وإنما تلمح سخریة من أوضاع غیرت معالمھا ،
فلا ینال حقه المستضعف ، بینما یأخذ القوي كل ما یرید . لم یكتف البردّوني في إثارة القارئ لما یقرأ ، وإنما ذھب لیبین تلك المأساة التي كأنه یعیشھا من خلال
التكرار
أنا من أنا ؟ الأشـــواق ***** والحرمان والشكوى أنا
أنا فكرة ولھى معانیـھا ***** التضـــــــــنّي والضّنى
أنا زفرة فیھا بكاء الـ ***** فقر آثام الــــغنى(٢)
عبّر البردّوني بتكرار لفظة ( أنا ) لیقول إنّ ما یعانیه یفوق حد الاحتمال، حتى إنّه
أصبح یعیش المأساة بكل تفاصیلھا ، بل إنه أصبح المأساة نفسھا ، لذلك وجدناه یؤكد
ذلك المعنى في شعور المتلقي من خلال تكرار لفظة ( أنا ) التي كانت تجسیدا ً لتلك
المعاناة .وسخریة المتوجع الذي عانى الفقر، والجوع ، والظلم ، حتى إنّھا أصبحت
شخصه ، وعنوانه ،لنجده بعد ذلك یقف مع حیاته شاكیا جورھا ، ومتألما من ظلمھا ،
في نداءات، كأنھا صرخات مستجیر
دیوان البردوني ص ١١٢١
دیوان البردوني ص ١٣٥