0 تصويتات
في تصنيف التعليم بواسطة (454ألف نقاط)
المفارقة :

استخدم البردّوني ھذا الأسلوب في تمرده على

الظلم ، وسخریته من واقع امته المعاش ، وضربه بید من حدید على كل وضع مزیف

یحتاج إلى تصحیح ، حیاة تجتمع فیھا الجراحات .

أبكي فتبتسم الجراح من البــــــــكا ***** فكأنھا في كل جـــــــــارحة فم

یا لابتسام الجــرح كم أبكي وكم ****** ینساب فوق شفاھه الحمراء دم

 أبدا اسیر على الجراح وأنتــــــھي ***** حیث ابتدأت فأین مني المــختم (١)

تلك الجراحات التي مزقت قلبه و جعلته یعیش مع ھذه الحیاة التي تفتخر بالذل

والھوان .

ونھضت والدّنیا كــــــما***** كانت تفاخر بالصَــغَار

وتھاوت الدّنیا الــــــــتي ****** خلق افتناني وابتكاري

 فوددت لو ألقى كذاب ال **** لیل صدقا في النــھار (٢)

 

فبدل أن تفتخر الدّنیا بالعز ّ والمعالي ، وجدھا البردّوني تفتخر بالصَغَار ، والذل ، ھذه

الحیاة التي یتمتع بالحیاة فیھا من كانت طباعه طباع الوحوش، والحیات .

وسألتھا : ما الأرض ؟ قالت إنھا **** فلوات أوحاش وروض صلال

 إن كنت محتالا قطفت ثمـــــــارھا ***** أولا : فإنك فرصـــــة المحتال (٣)

 

ھذه المفارقة الساخرة من الواقع المعاش ، فالحیاة غابة لا مجال فیھا للضعیف ، فإمّا

أن تكون وحشا مفترسا وتأكل كل من یقابلك، وإما أنك ستكون فریسة سائغة للآكلین .

ھذه النظریة التي تعب البردّوني في فك شفرات حلھا ، كانت تؤرقه صباح مساء ، فلا

یجد لھا حلا .

ما كان أذكى مرشــــــــــدا**** وأبر طلعـــــــته الز ّكــــیه

كان ابتسامات الحــــــزیـن **** وفرحة النفــس الشجیّه

عیناه من شغل الرشــــــاد "***** وكله من عبـــــــــــــقریّه

إن لم یكن في الأنبیـــــــاء **** فروحه المـــــــــــثلى نبیّه

قتلته في الوادي اللصوص ***** فغاب كالشــــمس البھیّه

(١)دیوان البردوني ص١١٢

 (٢)دیوان البردوني ص٢١٥

دیوان البردوني ص٢٢٤

&&&&&&&

كان ابن عمّي یزدریــــــه ***** فلا یضــــــیق من الزریّه

ومن ابن عمّي ؟ جـــــاھل **فظ ّ كلیل الجــــــــــــاھلیّه

یرنو إلینا .. مثـــــــــــــلما**** یرنو العقور إلى الضحیّه

نعرى ، ویسبح في النقود*** وفي الثیاب القیــــــصریّه

ونذوب من حُرق الظماء***** وعنده الكــــــأس الرّویّه

والكرم في بســـــــــــتانه**** یلد العـــــــــناقید الجنیّه(١)

 

لقد صور البردّوني الواقع كما ھو ، فالذكي المتوقد ، لا نصیب له في ھذه الحیاة ،

والجاھل الفظ ّ المتغطرس یملك كل مقومات الحیاة الكریمة ، إنھا مفارقة عجیبة

یعیشھا البردّوني ویصورھا لنا في ھذا المشھد لأبناء العمومة ، ثم یزید من سخریته

اللاذعة عندما یجعل ھذا الجاھل لا یكتفي بما لدیه ، وإنما ینظر إلیھما نظر الضحیّة

التي یجب أن یستمتع بھا أیضا ، وتكتمل فصول ھذه المفارقة في طریقة موت الذكي

نھبا من اللصوص فأي شيء سیجدونه عند ھذا الفقیر الذي لا یملك إلا ذكاءه ، بینما

یعیش ھذا الغني حیاته بكل سلام ورغد عیش ، وكأنه یقول لنا یموت صاحب العقل

من أجل عقله ، ویعیش الجاھل بجھله .

حاول

البردّوني بمفارقاته أن یوقظ ذلك المارد النائم ، لعله في یوم من الأیام یرى ھذه الأمة

وقد عادت لسابق عز ّھا ، ومجدھا .

تغنى البردّوني بمفارقاته على صدر جراحات الأمة ، عسى أن یجد بلسما شافیا یداوي

به الجراحات ، قاد بمفارقاته أمته إلى طریق یأمل فیه أن یوصلھا إلى نبع عزة صافٍ

لا یكدره الخنوع والخضوع .

(١)دیوان البردوني ص٢٣٤

&&&&&&&

٥- الصورة الساخرة ( الكاریكاتور ) .

إذاَ عرفنا أن الصورة الشعریة ھي أداة للتعبیر عن الذات ، وعن المجتمع بشكل عام ،

نجد أن البردّوني أخذ بھذا الاتجاه فجاءت صوره تعبیرا عمّا بداخله ، وتنفیسا عن

معاناة ذلك المجتمع ،وبما أن البحث متجه إلى أسالیب السخریّة عند البردّوني ، فإنه

لن یخوض في غمار الصورة الشعریة في التجربة البردّونیة بشكل عام ، وإنما

سیحاول أن یقف مع الصورة الشعریة الساخرة ، أو ما یسمى بالكاركاتور ، وھي

ككلّ الصور التي یحاول من خلالھا الكاتب أن یرسم لنا أبعادا جدیدة للصورة تختلف

عن أبعادھا المعتادة ، وتحول الكلام من مجرد ھجاء عادي إلى رسم كاریكاتوري

ساخر

، فھذا الاتجاه قد عبّر عنه العقاد في وصفه لھجاء ابن الرومي قائلا : على

لصاحبنا فنّا واحدا من الھجاء لا نرتاب في أنه كان یختاره ویكثر منه ... ونعني به

 فنّ التّصویر الھزليّ ... فھو مطبوع علیه

، فالصورة التي یبحث عنھا البردّوني ھي

صورة تحاول أن تعري المجتمع الفاسد ، لكنھا في نفس الوقت تحاول أن ترسم شیئا

من الضحكة ، على وجه البؤس الذي تولد من ظلم المجتمع ، فھو یحاول أن یرسم

تلك الصورة التي تختّل فیھا المقاییس ، ونكاد لا نتمثّلھا في ذھننا حتّى ننفجر مقھقھین

، إننا عندما نبحث عن مثل ھذه الصور لا نبحث عن إضحاك البردّوني

لمجتمعه ، وإنما نبحث عن ذلك السوط الساخر ، الذي ألھب البردّوني به جسد أمته

كي تصحو من سباتھا العمیق ، نبحث عن تلك البسمة المتلبسة بعمق الدمعة الغائرة

في جوف المعاناة من تلك المآسي التي یسبح فیھا مجتمع یرزح تحت الأثقال . فعندما

یرسم لنا البردّوني بقلمه صورة تلك البیوت في لیله الخاص ، تأتي مشبعة بنزف الألم

ھذي البیوت الجاثمـــــــــات إزائي**** لیل من الحرمان والإدجـــــاء

من للبیوت الھادمات كأنــــــــــــھا***** فوق الحیاة مقابر الأحیـــــــــاء

تغفو على حلم الرغیف ولم تجــــد***** إلا خیالا منه في الإغــــــــــفاء

وتضم أشباح الجیاع كأنــــــــــــھا**** سجن یضم جوانح السّجــــــناء

وتغیب في الصمت الكئیب كأنــھا****** كھف وراء الكون والأضــــواء

&&&&&&&

إجابتك

اسمك الذي سيظهر (اختياري):
نحن نحرص على خصوصيتك: هذا العنوان البريدي لن يتم استخدامه لغير إرسال التنبيهات.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (454ألف نقاط)
 
أفضل إجابة
من اساليب البردوني المفارقة

اسئلة متعلقة

0 تصويتات
1 إجابة
سُئل فبراير 5، 2023 في تصنيف التعليم بواسطة جواب المعلم (454ألف نقاط)
0 تصويتات
1 إجابة
سُئل فبراير 3، 2023 في تصنيف التعليم بواسطة جواب المعلم (454ألف نقاط)
...